شهر هو عند الله من أفضل الشهور
يطل علينا شهر الطاعة والمغفرة والرحمة والفيوضات الإلهية، وهو من أفضل الشهور عند الله، والعمل فيه مضاعف، أنفاس الإنسان فيه لها أجر وثواب، وأوقاته من أفضل الأوقات التي يعيش فيها الصائم القرب الحقيقي من الله سبحانه وتعالى متهجدا وذاكرا وتاليا للقرآن الكريم، فإن تلاوة آية في هذا الشهر المبارك تعدل ختم قرآن بكامله كما جاء في خطبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل اجر من ختم القرآن في غيره من الشهور).
أبواب رحمة الله مفتحة للمستغفرين والتائبين الذين يرجون رضوان الله، وما أعظمها من فرصة لهذا الإنسان العاصي بأن يرجع إلى الحضرة القدسية ويروض ويزكي نفسه مع الله سبحانه وتعالى، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لجابر بن عبد الله: يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام وردا من ليله وعف بطنه وفرجه وكف لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر، فقال جابر: يا رسول الله ما أحسن هذا الحديث؟! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا جابر وما أشد هذه الشروط؟.
• الرواية تبين لنا أربع نقاط مهمة وهي:
1- ضرورة التوفر على الرؤية الفقهية للصوم (هذا شهر رمضان من صام نهاره).
2- المواظبة على فعل المستحبات ( وقام وردا من ليله – يعني صلى صلاة الليل).
3- تأكيد المضمون الروحي لهذا الشهر (وعف بطنه وفرجه).
4- صوم الجوارح (وكف لسانه).
النتيجة ستكون: (خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر).
ماذا أعددنا لاستقبال الشهر المبارك؟
نشهد حركة استنفاريه لكل فئات المجتمع في هذا الشهر المبارك استعدادا لإحيائه بالشكل المتعارف عليه في كل عام، فبعض أفراد المجتمع يستنفر طاقته في شراء المواد الغذائية والتفنن في إعدادها لكي ينوع مائدة الإفطار منها، ولا يعرف من هذا الشهر الفضيل إلا جوع في النهار وأكل بالليل.
والبعض الآخر تكون حركته على متابعة القنوات الفضائية والبرامج الإذاعية فيتنقل من محطة إلى أخرى متابعا مشاهير الممثلين، والقنوات الفضائية تتنافس في برامجها لاستقطاب مشاهدين ومؤيدين لها.
والصنف الثالث يفوق الأول والثاني في الإحياء هذا الصنف يستغرق وقته في السهر ليلا والنوم نهارا يمضي أغلب أوقاته في الطرقات من مكان لآخر إلى وقت متأخر من الليل ثم بعد ذلك يرجع إلى منزله ويكمل باقي الوقت مع المحطات الفضائية، متوقعا أن هذا العمل قمة الإحياء لهذا الشهر المبارك.
• هل هذا هو الإعداد المطلوب منا لاستقبال هذا الشهر المبارك؟!
• هل هذه هي الأنفاس التي تؤجر على صيامها؟!
• هل هذه هي الأوقات التي نثاب على قضائها؟!
شهر رمضان موسم تجارة مع الله فمن يتاجر مع الله فيه بالطاعة والعبادة فقد ربح في تجارته الأخروية، ومن يتاجر مع الله بتقصير ولهو فقد خسر في تجارته وكان من الأشقياء الذين حرموا غفران الله في هذا الشهر العظيم.
الإعداد الحقيقي لهذا الشهر هو التقرب إلى الله بالعمل الصالح والعبودية الخالصة لوجه سبحانه وتعالى، فالإنسان يستطيع أن يجعل كل وقته في طاعة الله حين عمله أو في دراسته حتى فيما يشاهده كل ذلك يمكن أن يوظفه في طاعة الله والتقرب إليه.
على الصائم في هذا الشهر أن يبرمج أوقاته اليومية ويوزعها على الأعمال العبادية والاجتماعية والثقافية ومن أهم الأمور التي يجب أن يعتني بها هي محاسبة النفس والإعداد الروحي لكي يتزود ويحصن نفسه، وعليه أن يجهد نفسه في تأدية الأعمال التي تقربه من الله لأن عملها مضاعف في هذا الشهر الكريم.
ومن الضروري أن يتكون وعي فقهي وروحي لدى الصائم، لأن الصوم صومان فقهي وروحي:
• فالصوم الفقهي: هو الإمساك نهاراً عن المفطرات بنية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، أي أن الصوم امتناع فعلي عن شهوتي البطن والفرج، وعن كل شئ حسي يدخل الجوف من دواء وغيره في زمن معين وهو من طلوع الفجر الثاني (الصادق) إلى غروب الشمس
• والنية: هي عزم القلب على إيجاد الفعل جزماً بدون تردد لتمييز العبادة عن العادة.
• والصوم الروحي: هو صيام الجوارح وأعضاء البدن كصيام العين والأذن والقدم واليد، قال أبو عبدالله (عليه السلام): إذا صمت فليصم سمعك وبصرك من الحرام والقبيح، ودع المراء وأذى الخادم، وليكن عليك وقار الصائم، ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك.
فليس كل من كف عن الأكل والشرب وباقي المفطرات يعد صائما، هناك مفطرات روحية عندما يمارسها الصائم لا يكون صيامه مقبولا من قبيل النظر إلى ما حرم الله، والسب، جاء في خطبة الرسول (ص) عندما سأله أمير المؤمنين(ع): يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر ؟ فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذه الشهر الورع عن محارم الله).
وقد ورد في الروايات أن رسول الله سمع امرأة تسب جارية لها وهي صائمة فدعا رسول الله (ص) بطعام، فقال لها كلي، فقالت: إني صائمة، فقال: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك فإن الصوم ليس من الطعام والشراب).
إذا لن يحقق الصوم وظيفته الروحية والأخلاقية والتربوية، ووظيفته في خلق الإنسان المتقي (تقوى الفكر، وتقوى العاطفة، وتقوى السلوك) إلا إذا توفر الصائم على وعي وصدق التعاطي مع الشهر المبارك.
نتضرع إلى المولى عز وجل أن يسدد خطانا جميعا، وأن يجعلنا من عباده الصالحين إنه أكرم المعطين وأجود المتفضلين. |