الرئيسية | التقويم الشهري | راسلنا
 
مقالاتالسيد محسن الغريفي
 
كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون
شبكة النعيم الثقافية - 2004/05/17 - [الزيارات : 9116]

في طول مسيرة الحضارات عبر التاريخ، لم تكن هناك كلمة قادرة على الثبات والصمود والرسوخ إلا كلمة واحدة، ألا وهي كلمة الحق، ومهما كانت الظروف والملابسات فإن أصحاب كلمة الحق هم الذين كانوا ينتصرون في نهاية المطاف وفي تاريخ البحرين وما مرّ به من ويلات وآهات، لو قرأ المرء طرفا من صفحات هذا التاريخ المؤلم، المليء بالدماء، لشاب شعر رأسه، حتى إننا ونحن نتأمل في تاريخ الكثير من المناطق والقرى، وكيف دثرت وكيف هجّر منها أهلها، بل وعندما نستشرف تاريخ أبناء البحرين، الذين انتشروا في أصقاع مختلفة من العالم، والذين نفتخر بهم عندما نرى الأثر الكبير لهم في نشر العلم والثقافة والوعي في أرجاء المعمورة، لكننا قد نغفل المشهد الخلفي الذي يحكي الظلم والجور والعذابات، التي تعرض لها هؤلاء على مر التاريخ ليس إلا لدفاعهم عن فكرهم وعقيدتهم وأوطانهم وكم يأسف المرء عندما يجد أن هذا التاريخ يشوه، وهذه التضحيات تجيّر وتستنسخ، لتصاغ في خدمة أهداف فئة أو جماعة تسترزق من خلال تاريخ الأمة، وتعطي لنفسها الحق في نسبة هذه الإنجازات والمكاسب إليها، وتبقى فئات الشعب الأصيلة خارج هذه الصورة، بل لتتشكل صورة أخرى تشكل حركة الأمة بالنحو الذي يلغي كل وجود وهوية أصيلة وراسخة لهذا الشعب، ثم يدعى هذا الشعب ليعطي الشرعية لكل هذه  الترهات، وليبصم بيد عمياء على إلغاء كل تاريخه ووجوده .

المشهد الأول: الرعب القاتل

التقيته في مسجد من مساجد ( لنجة ) المدينة الإيرانية الجنوبية المطلة على ساحل الخليج، والتي تعرف ب ( بندر لنكة ،) وكان الشيب قد عم شعر رأسه، ورسمت كل أحداث التاريخ على وجهه آثارها، وكان الضعف والترهل باديا عليه، وهو يجر رجليه تظلله غمامة من الحزن العميق المكبوت، والذي تكشفها نظرات الحزن والأسى، سأل من أين أنت؟ أجبته بكل بساطة وعفوية: من البحرين، ولم أكن أتوقع ردة فعله هذه بتاتا، فلقد اهتز وأصابته رجفة وتطايرت نظرات الفزع والخوف من عينيه، استغربت وأنا الجاهل بالتاريخ والأحداث من ردة فعله، فسألته وأنت يا حجي . . . . . . من أين؟ وأنا أتوسم قربا في لهجته المندثرة، وروحه المتوارية خلف ستار من الحزن والكئابة والنظرات الجامدة، قال لي لا تسأل، أصررت فأجاب: وهو يتلفت من حوله، وكأنه يريد أن يتأكد من أن لا رقيب ولا عين تشاهده أنا من قرية . . . . . . . . في البحرين، وسكت، وكأنه قد تكلم بما يستحق عليه الإعدام، قلت له: أهلا ومنذ متى أنت هنا؟ وأصابني شعور بالندم لأنني سألته هذا السؤال لأنني رأيت الدموع تنهمر من عينيه، وأنى لهذا الجسد الضعيف أن يتحمل هذه الموجة من الحزن والأسى، وكأنني فتحت بابا قد أغلق عليه بمتاريس من حديد، وجعل بينه وبين ما وراءه جدارا إسمنتيا حصينا، غير قابل للنفوذ والاختراق، تألمت حقيقة، لكنه كان لا بد من السؤال، وكان لا بد أن أسمع الإجابة، وكم كانت هذه الإجابة مؤلمة لي، فكيف بمن عايشها ووقعت له: كنت فلاحا ولديّ مزرعة أعتاش من خلالها، وكانت حياتنا تسير ولم أكن أعلم بما كانت الأيام تخبؤه لي، حيث حدث في أحد الأيام ما لم يكن في الحسبان، فلقد هجمت علينا مجموعة من الأوغاد، الذين لم يحفظوا حرمة لأحد، وأجبرونا عن التخلي عن مزارعنا عنوة، وصادروا أموالنا، ووقعوا فينا بالتعذيب والتنكيل، ولم يكن لنا حول ولا قوة في مواجهة هذه الهجمات البربرية الغاشمة، وهكذا وفي لمحة بصر ضاع منا كل شيء، وأصبحنا نخشى على نفوسنا إن تفوهنا بكلمة، أو رفعنا أصواتنا مطالبين بحقوقنا، ( فهو تحريض على الفتنة ودعوة إلى التخريب ونمط عال من الإرهاب ،) فأصبحنا نعيش داخل أسوار من الخوف والفزع الدائم، وكان الموت أهون علينا مما نحن فيه، وكان حينها لا بد من قرار بالهجرة، قلت له: لقد : تغيرت الأوضاع الآن فلماذا لا تعود؟ فرد علي محنقا ثائرا بلهجة عازمة يائسة . ما دام هؤلاء . . . . . . هناك فيستحيل أن أعود

المشهد الثاني: بين سفينتين

التقيته في ( دبي ) في دولة الإمارات، وأخذنا نتحدث عن كثير من الأمور، وعن تاريخ دولة الإمارات، وعن قصته وكيف وصل إلى الإمارات، فقال لي وهو يتنهد إنها قصة طويلة خلاصتها كلمة واحدة ( سفينتان ،) قال لقد وقع علينا من البلاء في البحرين والظلم، ما جعلنا نأخذ عيالنا، وفي خفية من الليل ركبنا سفينة تاركين كل شيء وراءنا، متوجهين صوب الساحل الشرقي من الخليج إلى إيران، اعتقادا منا أننا سوف نجد الأمان والاستقرار والراحة والهدوء، لكننا واجهنا واقعا لا يقل قتامة عن واقعنا في بلدنا، وإذا بالبلية الكبرى تقع على رؤوسنا حينما يصدر قرار ( كشف الحجاب ) في عهد رضا خان، وإذا بنسائنا لا يستطعن الخروج من المنازل، لأنهن مهددات بنزع حجابهن عن رؤوسهن أمام أعيننا، وعلينا أن نذعن ونرضى، ومن كان يعترض كانت الإهانات أقل ما يحصل عليه بخلاف الضرب والتنكيل، فلم نطق صبرا، وهكذا وفي إحدى الليالي المظلمة ركبنا قاربا، وأخذنا معنا عيالنا تاركين كل شيء، ناجين بديننا وكرامتنا وعرضنا وشرفنا، هذه هي قصتي باختصار بين سفينتين، ثم أردف قائلا وكأنه استشرف سؤالا مني حول وضعه الآن وهل يعيش استقرارا واطمئنانا:؟ وأنا أبحث الآن عن سفينة ثالثة لعلنا ننطلق بها ليلا لا أعرف إلى أين؟ ولكن ما يهددنا في ديننا اليوم، لعله أضعاف ما كان يهددنا سابقا، وكأنه يقول لي لا تحدثني عن البحرين، فلقد محوتها من خارطة العالم.

هذه صفحة صغيرة من تاريخنا الذي يحاول البعض أن يسرقه منا، تاريخا وحاضرا، وهو جزء من الذاكرة التي يراد لها أن تكون منسية.

محسن الغريفي

نشر:
 
 
اكتب تعليقك هنا
الاسم
المدينة
التعليق
من
رمز التأكيد Security Image
 
 
أقسام الشبكة
 نبذة تاريخية أنشطة وفعاليات
 مقالات تعازي
 شخصيات أخبار الأهالي
 إعلانات النعيم الرياضي
 تغطيات صحفية ملف خاص
 خدمات الشبكة المكتبة الصوتية
 معرض الصور البث المباشر
 
جميع الحقوق محفوظة لشبكة النعيم الثقافية © 2003 - 2025م