قالوا

 يعيش الجميع اليوم عصر الثورة المعلوماتية التي تنتشر فيها الأفكار و المعلومات بسرعة و سهولة من و إلى أي بقعة من بقاع العالم، و لكن ما فائدة هذا الكم الهائل من المعلومات في ظل هيمنة رأي واحد و فلسفة واحدة على نوعية هذه المعلومات، و أعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تعكس بمثل هذه الأفعال حقيقة العالم الذي تمثله و تريد في نفس الوقت.

الأستاذ علي السكري
من الذي صام؟ الدرازيون أم النعيميون؟   |    في ذمة الله الشَّابة زهراء عبدالله ميرزا صالح   |   ذمة الله تعالى الحاجة جميلة حسن عبدالله    |   على السرير الأبيض الحاج خليل إبراهيم البزاز أبو منير    |   برنامج مأتم الجنوبي في ذكرى ولادة السيدة الزهراء    |   في ذمة الله حرم الحاج عبدالله سلمان العفو (أم ياسر)   |    في ذمة الله الطفلة زهراء جابر جاسم عباس   |   نبارك للأخ الطالب محمد حسن علي ثابت حصوله على الماجستير في إدارة الأعمال    |   رُزِقَ الأخ عبدالله علي آل رحمة || كوثر || 12/12/2021   |   دورة تغسيل الموتى    |   
 
 الصفحة الرئيسية
 نبذة تاريخية
 أنشطة وفعاليات
 مقالات
 تعازي
 شخصيات
 أخبار الأهالي
 إعلانات
 النعيم الرياضي
 تغطيات صحفية
 ملف خاص
 خدمات الشبكة
 المكتبة الصوتية
 معرض الصور
 البث المباشر
 التقويم الشهري
 أرسل خبراً
 اتصل بنا
 
مقالات الأستاذ حسين المحروس
 
العـَتــائـــِر..
حسين المحروس - 2004/01/16 - [الزيارات : 6736]

العـَتــائـــِر..

قِطعٌ من الأرض عليها شواهد كالصّمت .. القبر إلى القبر .. هنا أبي الذي توقّف عن الكلام منذ زمن العتائر .. كأنّه مثابر على الغياب .. هل أفعل ما يفعله العجائز كلّ خميس ؟ أضرب شاهد القبر بالحجارة مرّات ؟ أُنهض صاحب القبر ؟ كي يأتي صوته من الحجر ؟ أم أربط الشاهد بقماش أخضر ممسوح بشبّاك صاحب القبة الشريفة ؟ حتى ينهض مَنْ لم ينهض من قبل ؟ بعد أن عاد الملح إلى الملح ؟ .. أَ يُنهِضُ القماش الأخضر مَنْ لم ينهض قبل مجـيء الألوان ؟ .. صار الأخضر حجابا مَنْ لا يخرج منه لا يخرج من البُعد .. يضلّ في البعد .. لم يعد هذا اللون موقفا .. كان كلّ جزئية فيه موقفا .. غدا استعارة لا يرى بها سوى العتائر . أبي هنا بلا موقف .. لا موقف إلا لمَنْ جاء قبل مجيء الألوان .
ـ " لسنا العائلة الوحيدة التي تفعل ذلك في المدينة .. أختك مازالت طفلة "
على الرغم من حذر أبي ـ كما يزعم ـ ثمّة حزن قادم لا تشعر باقترابه منك . صار أبي يموت من الحياة ..
في صباح الأربعاء .. لم أكنْ أرى طيورا في سماء المدينة على الرغم من كثرة الحمام والعصافير .. كنت أرى أشياء شبيهة بالثعابين تطير وقد ملأت السماء ..
فضاء مكتب الحاج مهدي جواد مليء بالدخان وبرائحة أخرى تشعرني بالانقباض .. دخل الصبي يحمل الشاي .. لمحني الحاج مهدي مرّة أخرى من فوق نظارته المستديرة .. يبدو متضايقا من وجودي .. هل سيبدأ الآن الدخول في أبي ليمتصّه من الداخل ؟ .. أبي يعرف هذا الرجل فلماذا يودّ رهن بيتنا عنده إذن ؟ هل هو مأمور ؟!! أيّ شيء يسيّره هكذا ؟ أيّ شيء جعل بوصلته لا تتجه إلا إلى الشمال ؟ .. أمّي أكثر رغبة في رهن البيت من منه .. أدقّ اتجاه منه نحو الشمال .
استلم أبي النقود في كيس من القماش .. إنّها ستة أشهر فقط . كيف سيسدد مبلـــغ الرهن هذا ؟
ـ " لا تهتم .. نحن مسافرون إلى كريم لا يخيب الله من دعاه عنده .. عندما ندخل تحت قبته الشريفة ، ونضع أيدينا في شبّاك قبره سندعو الله أن يصرف عنا السوء والشرّ ، وأن يجعل معاشنا وافرا ، ويشفي مرضانا ببركته .. أنت وافد على كريم يا ولدي .. "
لو أفهم هذا الجنون .. لو أفهم بعضا منه .. لو أدخل في جسد هذا الآخر .. أبي بدأ يتحول إلى آخر ! .. لو أفككه لأعرف ما الذي يحدث .. لا يمكن ذلك فأبي متجه نحو الشمال فقط .. مخلص لهذا الشمال .. بدا لي التفكيك ساذجا في مثل حالة أبي .. مثل طفل يفكك المنبه ليتعرف على الوقت ..
ـ " لا تخف .. أنت غير مؤمن ؟ .. الخير تحت قبته يا حسن .. من كلّ جانب يرفع الدعاء .. نحن في حمايته .. لعن الله الشاك يا ولدي . "
رفعت رأسي نحو السماء فرأيت ثعابين تطير .. كانت أشكالها واضحة هذه المرّة .. بعضها يعبث في طيرانه .. أجنحتها قصيرة جدا تشبه زعانف السمك .. بدأت أشمّ رائحة كتلك التي في مكتب الحاج مهدي جواد .. سافرنا بعد يومين ..
ـ " … وأشهد أنّي بكم مؤمن ، وبإيابكم موقن ، بشرائع ديني ، وخواتيم عملي ، وقلبي لقلبكم سلم ، وأمري لأمركم مُتّبِع ، ونصرتي لكم مُعدَّة حتى يأذن الله لكم . فمعكم معكم لا مع عدوكم . صلوات الله عليكم … "
على الشبّاك تتحول الأصابع إلى كلمات .. يزيد الاحتكاك فيدخل الانفعال في مرحلة ألاّ سيطرة .. لمس شبّاك القبر وربط القماش الأخضر فيه آخر مراسيم هذا العشق .. انتهت عبارات الوداع .. هنا يبقى شيء من الحداد في العشق .. يتجلى الحداد عشقا والجسد لا تقوله الكلمات .. غادرنا الضريح .. بدأت أشمّ رائحة مكتب الحاج مهدي ..
ـ " وفدنا من كريم ونحن في حمايته .. رهنا البيت من أجل تربته الشريفة .. من أجل نور قبته المقدّسة .. لن يخيّب ظنّنا باب الحوائج المقضية .. نحن في حمايته النورانية .. كريم ابن الكرام البررة .. لعن الله الشاك يا ولدي "
وضع أبي الثلاثمائة روبية على مكتب الحاج مهدي جواد :
ـ " دعونا لك تحت القبة الشريفة بالخير وطول العمر والذرية الصالحة .. "
لم يتفوّه بحرف واحد على الرغم من محاولات أبي .. لم يكن يحرك حتى عينيه .. هل هو مريض ؟ .. مرّ زمن وأبي خائف من هذا الصمت .. تحوّل الحاج مهدي جواد إلى صنم .. تصنّم .. لكنّي أسمع همهمة هذا الصنم .. هذا العِتْر .. قام من مكانه نحو الباب فظنّنا أنّه سيطلب الصبي لكنّه تأخّر .. عبثا حاولنا إدراكه .. قال الصبي إنه في بيت إحدى زوجاته لكنّه لا يعرف أي بيت .. استعان أبي بأمي فهي قادرة على دخول كل البيوت من غير استئذان كعادة النساء هنا .. رجعت متعبة ولم تجد له أثرا في بيوت زوجاته .. أشاع الصبي أن عمّه الحاج مهدي جواد سافر .. أين هذا الصنم .. أين اختفى العتر ؟؟
قبل أذان الظهر كانت أمي قد وصلت مكان عمل أبي في ورشة صنّاع الســــفن ( القلافين ) حافية القدمين .. خائفة .. لم تقو على الكلام .. أعطاها أبي بعض الماء ثمّ عاد بها إلي البيت ..
زادت حرارة الشمس .. قررتُ العودة إلى المنزل لأخبر أبي أنّني لم أعثر على الحاج مهدي جواد .. لم أجد الصنم ..
وعند البيت كان المنظر اليومي للطريق ومدخل بيتنا قد تغيّر فجأة .. لم يعد الطريق خاليا كما عهدته .. أبي واقف .. أمي جالسة على التراب إلى جنبها أختي الصغيرة .. وكلّ ما في البيت من أغراض وأدوات وحاجيات ملقاة على الطريق .. المراقد القطنية .. الأواني المعدنية والصحون .. البهارات .. البصل .. الرِز .. سجّاد الخوص .. ثياب أمي وأختي .. كلّ شيء على تراب الطريق .. باب البيت مقفل بقفل غريب .
أمي تبكي لكنّني لا أسمع صوت بكائها .. تهتزّ في غمامتها السوداء .. كلما اهتزّت انتفض جسدي كلّه .. قدمها اليمنى خرجت من تحت عباءتها .. لم يكن في هذا القدم نعل .. رأسها مائل أسندته على يدها اليسرى .. كربلاء تحضر عند أمي في كلّ حزن .. في تلك اللحظة بكت سبايا الإمام الحسين بن علي من النساء عصر يوم عاشوراء .. أبي لم يعد يتكلم منذ ذلك اليوم .. صار هيكل أبي .. قالب أبي .. ليس هو أبي .. أبي خال من مضمون أبي .. صار أبي يموت من الحياة ..
أوشكتُ على البكاء .. لكن ليس للدموع تأريخ هنا ! مَنْ سيؤرخها ؟ لا تأريخ هنا إلا لمَنْ يموت من العتائر .. أخذتُ أُلملم الأشياء .. أجمعها في مكان واحد بعيدا عن الطريق .. أُلملم البيت كلّه .. أُلملم ذكرياتي وذكريات العائلة كلّها .. حركاتي في البيت وسكوني .. لحظات الفرح والحزن .. لحظات الاقتراب والابتعاد .. عرفتُ أنّ الدموع لذيذة في الفم .. صرتُ لا أشمّ غيرَ رائحـةِ الحرمان .. لم أعد أرى شيئا من السماء السابقة . لم أعد أرى الألوان .. لم أعد أرى للقبة لونا .





من مجموعة (ضريح المــاء) 2001م
بيروت

 

طباعة : نشر:
 
يرجى كتابة التعليق هنا
الاسم
المدينة
التعليق
من
رمز التأكيد Security Image
 
جميع الحقوق محفوظة لشبكة النعيم الثقافية © 2003 - 2024م